"سماعي شروق" لسعيد الشرايبي: الشروق كأفق موسيقي بين الإبداع والطبيعة
في فضاء الإبداع الموسيقي المغربي، يبرز اسم الدكتور سعيد الشرايبي كأحد أبرز أعمدة التأليف الموسيقي الآلي، ممن جمعوا بين الدراسة الأكاديمية الرصينة والموهبة الفطرية النادرة. لقد تمكن هذا الفنان الكبير من تأسيس مدرسة عود مغربية فريدة تُعلي من قيمة التوازن بين العمق الروحي للموسيقى والصرامة الأكاديمية في التدوين والتأليف. ويعد عمله "سماعي شروق" مثالاً دالاً على مدى تمكنه من توظيف العناصر الطبيعية، وعلى رأسها لحظة الشروق، في صياغة تجربة موسيقية تفيض شاعرية وارتقاء.
أولاً: سعيد الشرايبي، المسار الأكاديمي والهوية الفنية
ولد سعيد الشرايبي سنة 1951 بمدينة مراكش، وانطلق في مسيرته الموسيقية منذ الصغر متشبعا بالموسيقى الأندلسية والمغربية الأصيلة. تابع دراسته الأكاديمية العليا في علوم الموسيقى والعود، حيث حصل على الدكتوراه في التأليف الموسيقي، كما شارك في العديد من الملتقيات والمؤتمرات الدولية كممثل للموسيقى المغربية.
امتازت أعمال الشرايبي بطابعها التأملي الصوفي، حيث اشتغل على ربط العود المغربي بروحه الحضارية من خلال مقامات أصيلة وأساليب تأليفية تجمع بين التراث والمعاصرة. أسس مدرسة موسيقية مغربية جديدة في العزف على العود والتأليف الآلي، متجاوزاً الأطر التقليدية للعزف الشرقي الكلاسيكي.
ثانياً: تحليل فني لـ"سماعي شروق"
"سماعي شروق" ليس مجرد قطعة موسيقية تقليدية، بل هو تأمل صوتي متكامل في لحظة الشروق بكل ما تحمله من دلالات وجدانية وروحية. يبدأ السماعي بمقدمة نغمية هادئة ذات طابع تأملي، توحي بسكون الليل وسكون الكائنات، ثم تنساب الجملة الموسيقية الأولى بانسيابية تذكر بذبذبات الضوء الأولى التي تتسلل نحو الأفق.
يعتمد الشرايبي في هذا السماعي على مقام البياتي، وهو من أكثر المقامات دفئاً وقرباً من النفس، مما يجعله مثالياً للتعبير عن لحظة الشروق. يوظف الفنان الإيقاع السماعي الثقيل (10/8)، الذي يمنح القطعة أبعاداً تقليدية عريقة، ولكن مع تلوينات حديثة في التوزيع الديناميكي للأدوار بين العود والآلات المرافقة.
ثالثاً: توظيف الطبيعة والإنسان في تشكيل المعنى الموسيقي
لحظة الشروق كما جسدها الشرايبي ليست حدثاً طبيعياً عابراً، بل تجربة روحية تعيد ترتيب علاقة الإنسان بالكون. ينجح الفنان في بث الإيحاءات البصرية والمشاعرية من خلال توظيفه للانتقالات المقامية الدقيقة وتدرج الجمل من البطء إلى السرعة، وهو ما يحاكي صعود الشمس في الأفق وتبدد الظلال.
يُلاحظ كيف أن كل جزء من السماعي يمثل تحوّلاً وجدانياً، من الغموض إلى الوضوح، من السكون إلى الحركة، من التأمل الفردي إلى التماهي الكوني. هذا البناء الرمزي يعكس فلسفة الشرايبي التأليفية التي ترى في الموسيقى امتداداً للطبيعة لا مجرد محاكاتها.
رابعاً: إبداعات أخرى ضمن مدرسة الشرايبي
من بين أبرز مؤلفات الشرايبي، نذكر: و"فجر الأندلس"، و"أنفاس صوفية"، و"أوتار الروح"، حيث تظهر بجلاء قدرته على خلق لغة موسيقية مغربية جديدة تنهل من التراث وتطمح إلى العالمية. إن ما يجمع بين هذه الأعمال هو ذلك التوازن البديع بين الأصالة الإيقاعية والابتكار اللحني.
خامساً: دور منصة نوتة سيبيليوس nota-sibe.com في صيانة الذاكرة الموسيقية المغربية
لا يمكن إنكار أهمية التدوين الموسيقي في حفظ التراث وضمان استمراريته. وهنا يأتي دور منصة نوتة سيبيليوس "nota-sibe.com" التي وفرت فضاء رقمياً علمياً لتدوين أعمال موسيقية مغربية بروح احترافية. وقد ساهمت المنصة في إتاحة عمل "سماعي شروق" بصيغة واضحة ودقيقة للدارسين والعازفين، مما يجعلها مرجعاً أساسياً لكل باحث أو طالب في ميدان التأليف الموسيقي المغربي.
إن "سماعي شروق" ليس فقط لحظة موسيقية بل هو تأريخ وجداني لصوت الطبيعة في ذروته الجمالية، جسده سعيد الشرايبي بأناه العارف المتأمل، وبأكاديميته الرصينة. وقد مثل العمل نموذجاً فريداً في مسيرة التأليف الموسيقي المغربي الآلي، ومرآة لروح مغربية متجذرة في تراثها، ومنفتحة على كونية الفن.
كلمات مفتاحية للبحث: سعيد الشرايبي، سماعي شروق، التأليف الموسيقي المغربي، مدرسة العود المغربي، الموسيقى الآلية المغربية، مقام البياتي، إيقاع سماعي، nota-sibe.com، نوتة سيبيليوس، تدوين موسيقي مغربي، لحظة الشروق في الموسيقى، تحليل موسيقي مغربي، أعمال سعيد الشرايبي، مدرسة التأليف المغربي.
أنقر هنا و اختر الصيغة المناسبة لك
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
MIDI | XML | SIB |
نود إخباركم أن النسخة المتاحة هي صيغة ب د ف ، أما بقية النسخ فهي بمقابل مادي. بدعمكم نكبر❤ ادعمونا ❤شارك الموقع مع أصدقائك❤