نوتة سيبيليوس لسماعي نهاوند مصور على درجة الدوكاه للمبدع الراحل أحمد البيضاوي

المبدع الراحل أحمد البيضاوي

1- ورقة تعريفية

يعتبر الفنان أحمد البيضاوي من رواد الأغنية المغربية، الذين اهتموا كثيرا بأداء القصائد الغنائية، إلى جانب أنه من كبار الملحنين المغاربة.

ولد أحمد البيضاوي سنة 1918، واسمه الحقيقي هو أحمد بنشهبون، وكانت تجمعه صداقات متينة في طفولته ومراهقته بأبناء حيه، الذي لم يكن يبتعد كثيرا عن محلات بيع الآلات الموسيقية.

تميز أسلوبه الغنائي بميوله إلى الأغنية الشرقية، التي كان يتابعها وقدم أعمالا منها في كثير من المناسبات، كما التقى بعدد من نجومها الذين تألقوا في عقود سابقة.

2- بداياته الفنية

أبدى أحمد البيضاوي إلى جانب الغناء اهتماما كبيرا بالعزف، إذ كان من أمهر العازفين على آلة العود، التي استعان بها لتلحين أعمال كثيرة لفائدة عدد من رواد الأغنية المغربية العصرية، كما كان ينظم حفلات خاصة بالعزف عليها.

شغل البيضاوي بالموازاة مع احترافه العمل في الحقل الفني عددا من المناصب، إذ عمل رئيسا لقسم الموسيقى بالإذاعة الوطنية، ورئيسا للفرقة الموسيقية التابعة للجوق الملكي سنوات طويلة.

ولم تكن التزامات أحمد البيضاوي المهنية عائقا أمام تقدمه في مساره الفني، أو سببا في انخفاض عدد إنتاجاته الغنائية أو مستواها الإبداعي، إذ حافظ على لقب الموسيقار الذي نعته به كثير من المعجبين بفنه.

عندما بلغ الرابعة من عمره أدخلته عائلته إلى كتاب”بلخير” لحفظ القرآن الكريم ثم التحق بدروس الأستاذ عبد الرحمان النتيفي بفرينة أولاد هابو.

كان للفنان أحمد البيضاوي ذاكرة قوية تلتقط كل مايفوه به المدرس، كما كان مشحونا بعالم الغناء الذي سيطر على حواسه خلال العشرينيات من القرن الماضي، كان يقلد العديد من الأصوات الغنائية، ويتردد على محلات بيع الآلات الموسيقية بحي جامع الشلوح بالمدينة القديمة في الدارالبيضاء، كان يستمع إلى الأناشيد والأغاني الدينية والتراثية، في حلقات الذكر والسماع ومجامع الزوايا والمدائح النبوية التي كان يحضرها مع والده. تمكن من العزف على العود وبرع في العزف عليه.


3- حياته الفنية

بدأ حياته الفنية في أوائل الثلاثينيات، كان يحفظ الأغاني الشرقية، ومارس العزف على العود متأثرا بتقاسيم المشارقة، تلقى قواعد الموسيقى الشرقية، وتمرس على مقاماتها وإيقاعاتها وطرق أدائها عزفا وإنشادا، كما حفظ الموشحات القديمة، وأصبح ماهرا في العزف على العود، حيث تأهل ودخل ميدان التلحين والغناء.

كون أحمد البيضاوي فرقة متكونة من عازف على الكمان وعازف على القانون بالإضافة إلى عزفه على العود، وقامت هذه الفرقة بعدة جولات فنية بربوع المغرب، كما أنشأ رفقة بعض الفنانين مدرسة لتعليم العزف على العود، وهي عبارة عن منزل بسيط قام باستئجاره بدرب الميتر. في سنة 1938 التحق البيضاوي بالجوق الملكي، الذي كان يترأسه العازف المصري مرسي بركات الذي كان قد جاء إلى المغرب في عهد السلطان مولاي عبد العزيز.


4- روائعه الفنية

ألف أحمد البيضاوي جملة من القصائد والأغاني، وكانت أولى تجاربه في التلحين، أغنيتان اشترك في تأليفهما مع رفيقه في نفس الجوق عباس الخياطي، هما: ”ياحياة الروح” و”ياحبيب الروح” وذلك سنة 1946، ثم ألف أول إنجاز فني، أغنية ”ياحبيبي أفق” للشاعر السوري ماهر العطار.

كانت الأربعينات وبداية الخمسينات مرحلة الإشراق، ففيها برزت روائعه الفنية ”أضحى الثنائي” و”باعدت بالأعراص شفتاك” بعد التلحين ألف قطع موسيقية صامتة ذات جمالية فنية.


في سنة 1947 ترأس الفنان المبدع أحمد البيضاوي الجوق الملكي، بعد وفاة مرسي بركات.

وفي سنة 1952، قدم دعمه الفني لجوق الطرب العصري الذي أسسته الإذاعة المغربية، من عناصر كانت متفرقة في أجواق مختلفة مابين الرباط وسلا والدارالبيضاء وفاس، حيث كان يمدهم ببعض ألحانه وأغانيه، وترأس الجوق العصري لإذاعة راديو ماروك.

بعد أحداث 20 غشت 1953، غاب أحمد البيضاوي عن الساحة الفنية، وفي سنة 1956 عاد كعضو في الجوق العصري، ثم رئيسا للجوق الوطني الذي تأسس سنة 1959، وبقي فيه إلى سنة 1964.

شارك أحمد البيضاوي في أشغال المؤتمر العربي الخامس للموسيقى العربية الذي انعقد بالرباط في أكتوبر 1977.


5- ألحانه الفنية

لحن البيضاوي أكثر من مائة أغنية ومعزوفة وسجلها بدار الإذاعة المغربية، فيها العاطفية والوطنية. غنى أكثر أغانيه بصوته كما أسند بعضها لبعض المطربين المغاربة وكذلك بعض المشارقة كعبد الحليم حافظ وهدى سلطان وفايزة أحمد وسعاد محمد وعلية.

لقد تعامل البيضاوي مع الشعر العربي الفصيح، وبذلك فتح لأول مرة بالمغرب باب التعامل مع هذا الشعر، أسلوبه في الغناء نحو القصيدة الفصحى متميز، له عشرات القصائد الفخمة منها : ”حبيبي تعالى”، و”كل من صد وخان”، و”انتظار”، و”نهج البردة ”، ثم قصيدة رائعة ”يابسمة الأمل” و”كم بعثنا مع النسيم سلاما” لحن وغناء أحمد البيضاوي وكذلك قصيدة ”   البردة للامام البصيري ” من شعر ابن زيدون.

يعد من كبار الملحنين على المستوى الأغنية العربية، كان يمتاز بتلحين القصائد، وأسلوبه في التلحين ينتمي إلى أسلوب السنباطي، وموسيقاه فيها مسحة من المقامات الأندلسية.

ومنذ سنة 1964 أصبح أحمد البيضاوي رئيسا لقسم الموسيقى ومسؤولا على لجنة الألحان والكلمات في الإذاعة الوطنية إلى أن وافته المنية يوم 30 غشت 1989.

وطنيا، غنى البيضاوي لشعراء كبار نذكرمنهم: محمد بن الراضي، القصيدة الوطنية، ”يا صاحب الصولة والصولجان”، التي أداها في أوج الصراع ومواجهة الاستعمار، وتغنى من خلالها بالملك الوطني محمد الخامس، معبرا خلالها عن وطنية صادقة، ومع بروز فجر الاستقلال وضع الشاعر محمد بلحسين، نشيد التحرير ”يا موطني”، وبرع في أداءه البيضاوي.

وأدى للشاعر عبد الفتاح القباج ”هذا حبيبي”، ولمحمد حكم ”يا حبيبا”، وللحاج عثمان جوريو، وهو بالمناسبة أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 قصيدة ” سائلو عنه المعالي ”. ومن الروائع التي وضع لها البيضاوي الالحان وأداها: ” أنشودة الحب ”، والتي كتبها الزعيم علال الفاسي في منفاه بالكابون.

طرق البيضاوي باب السينما، من خلال مشاركته في فيلم ”الصب العليل”عام 1948، بأدائه ثلاث قصائد لأمير الشعراء أحمد شوقي، من بينها ”قلبي بوادي الحمى”، التي سبق للموسيقار محمد عبد الوهاب أن غناها عام 1928، كما شارك في فيلم ” دموع اليتيم”مع الراحل البشير لعلج، وفيه غنى قصيدة ”يا حبيبي أفق”عام 1960، بالإضافة إلى أعمال أخرى ضاعت عند انتقال الإذاعة المغربية من ”تواركة”إلى ”دار البريهي”.

وكان فريد الأطرش يبعث بأغانيه الجديدة إلى البيضاوي باسمه الخاص، كما كان معجبا بعزف البيضاوي على العود، معتبرا إياه من عمالقة العزف في العالم العربي.

ويبقى أحمد البيضاوي، صوت الأغنية المغربية الرائد، وعازف العود والملحن والصوت الرخيم، الذي أغنى الخزانة الوطنية والعربية، بروائعه التي ستظل خالدة أبد الدهر.

أنقر هنا لتحميل النوتة 
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق