مارش بور فؤاد للمؤلفة فيكتوريا ملحمة: مرآة موسيقية لحقبة وطنية
مقدمة
تُعَدُّ الموسيقى العسكرية أحد أبرز الأشكال التعبيرية التي واكبت الأحداث السياسية والتحولات الاجتماعية في تاريخ الأمم. وفي مصر، كان للمارشات العسكرية دور هام في التأريخ للمناسبات الوطنية، ومن بينها مارش "بور فؤاد"، الذي وضعته المؤلفة والبيانيست الشهيرة فيكتوريا ملحمة عام 1920، احتفالًا بتأسيس مدينة بور فؤاد. هذا المقال يتناول هذا العمل من زوايا متعددة: التحليل الموسيقي، السياق التاريخي، التعبير العاطفي، ومكانته ضمن الإرث الفني في مصر، ثم ينتهي بأهمية التدوين الموسيقي في عصرنا الرقمي.
أولًا: المؤلفة فيكتوريا ملحمة – فنانة تُجيد النطق بالمفاتيح
وُلدت فيكتوريا ملحمة في نهايات القرن التاسع عشر، ونشأت في بيئة ثقافية زاخرة بالتيارات الموسيقية الأوروبية والمصرية. اشتهرت بتقنيتها الرفيعة على آلة البيانو، وبقدرتها على صوغ العاطفة الوطنية في قالب موسيقي دقيق وصارم. وبالرغم من أن معظم مؤلفاتها اندثرت أو ظلت حبيسة رفوف المحفوظات، فإن "مارش بور فؤاد" يظل علامة مضيئة في سجلها الإبداعي.
ثانيًا: بور فؤاد – مدينة الولادة الجديدة
أُنشئت مدينة بور فؤاد عام 1920 كامتداد حضاري لمدينة بور سعيد، ولتكون بوابة استراتيجية على الضفة الشرقية لقناة السويس. وقد جاء تأسيس المدينة في سياق سياسي معقَّد؛ إذ كانت مصر لا تزال تحت وطأة الاحتلال البريطاني، وكان للرمزية الوطنية في تأسيس مدينة مصرية جديدة أهمية كبيرة على المستويين الشعبي والسياسي.
اختارت فيكتوريا ملحمة أن تخلد هذا الحدث بمعزوفة عسكرية طقسية تحتفي بالقوة، والتنظيم، والانتماء الوطني.
ثالثًا: خصائص المعزوفة وتحليلها الموسيقي
المقام: عجم ري (D Major)
اختيار مقام عجم ري لم يكن عشوائيًا. هذا المقام، الذي يُعادل "الماجور" في التصنيف الغربي، يُعبِّر عن السمو، الانتصار، والصفاء، وهي صفات توازي تمامًا الغايات الرمزية للعمل.
الشكل العام:
تتخذ المعزوفة شكل مارش تقليدي من حيث البناء: مقدمة قصيرة (Fanfare)، فقرة أولى رئيسية (Main Theme)، فقرة وسطى ذات طابع ليريكي (Trio)، ثم عودة للموضوع الأول بخاتمة موسعة.
المقدمة: تبدأ بزخارف لحنية على آلة البيانو تحاكي نداء الأبواق العسكرية.
الموضوع الرئيسي: تتابعات إيقاعية واضحة وموحدة تشير إلى خطوات الجنود، يتكرر الجمل بإيقاع رباعي ثابت.
الفقرة الوسطى: طابع حالم أبطأ نسبيًا، يتسم بالغنائية، ما يعكس الشعور بالانتماء العاطفي للمكان.
الخاتمة: تصاعد درامي في التآلف الهارموني، وصولًا إلى ذروة انتصارية تنتهي بقرار مقام ري الكبير.
رابعًا: السياق الفني والسياسي في مصر عام 1920
شهدت مصر في العقد الثاني من القرن العشرين تطورات سياسية حادة، أبرزها ثورة 1919 والمفاوضات المستمرة حول الاستقلال. في ذات الوقت، بدأ الفنانون المصريون في التعبير عن روح الأمة بوسائل فنية جديدة. وكانت الموسيقى أحد أهم أدوات التعبير.
ظهرت حينها تيارات موسيقية تحاكي النماذج الأوروبية، لكن بروح مصرية أصيلة. انخرط الفنانون في توثيق الذاكرة الجماعية، سواء من خلال الأوبريت، أو الأغاني الوطنية، أو المارشات العسكرية.
كانت فيكتوريا ملحمة تمثل هذا التيار الحداثي، فهي لم تقتصر على التأليف النخبوي للصالونات، بل شاركت عبر أعمالها في صياغة الهوية الموسيقية الحديثة لمصر.
خامسًا: التعبير الموسيقي كترجمة للأحاسيس
لا يمكن تحليل "مارش بور فؤاد" بمعزل عن البُعد الشعوري الذي حملته. استعملت ملحمة كل مقومات المدرسة الكلاسيكية الرومانسية الأوروبية، ولكنها أضفت عليها حسًّا مصريًا من خلال الإيقاع، والزخارف اللحنية القريبة من التراتيل الشعبية. تكرار بعض النوتات القصيرة، والتوقفات المتعمدة، كلها توحي بتوقف الجندي للحظة تأمل في أرض وطنه الجديد.
سادسًا: تفاعل الفنانين في تلك المرحلة مع الأحداث
لم يكن العمل الفني في مصر خلال العقد الثاني من القرن العشرين منفصلاً عن الواقع. فقد شهدت الساحة الفنية تجاوبًا ملحوظًا مع الثورة، والنزعة القومية، والنضال ضد الاستعمار. وبرزت أسماء مثل سيد درويش الذي استخدم الموسيقى للتعبير عن الطبقات الكادحة، وزكريا أحمد الذي وظف الصوت الشعبي في عمله.
على هذا النحو، كانت معزوفة "مارش بور فؤاد" صوتًا نسائيًا قويًا يُعلن انتماءه للوطن من خلال مفاتيح البيانو، تمامًا كما أعلن الآخرون ذلك من خلال القصيدة أو الأغنية.
سابعًا: أهمية التدوين الموسيقي الإلكتروني – موقع نوتة سيبيليوس نموذجا
مع تقدم التكنولوجيا، أصبح التدوين الموسيقي الرقمي ضرورة ملحّة لحفظ الأعمال من النسيان، وإتاحتها للأجيال القادمة. ويُعد موقع nota-sibe.com واحدًا من المنصات الرائدة في هذا المجال. إذ يقدّم:
تدوينًا دقيقًا وعالي الجودة.
إمكانيات للطباعة والتفاعل مع الملفات.
دعمًا للعازفين من مختلف المستويات من خلال ملفات قابلة للتعديل.
أرشفة مفتوحة قابلة للبحث والوصول.
ومن هذا المنطلق، فإن نشر معزوفة "مارش بور فؤاد" عبر هذه المنصة سيكون له أثر كبير في إعادة إحياء التراث الموسيقي المصري المنسي، وتحفيز الباحثين والعازفين على دراسته وتنفيذه.
خاتمة
تُعد معزوفة "مارش بور فؤاد" وثيقة موسيقية بامتياز، تحكي قصة مدينة، ومؤلفة، ووطن في لحظة ميلاد جديدة. استطاعت فيكتوريا ملحمة عبر هذا العمل أن تُعبّر عن وطنها، لا بالكلمات، بل بالنوتات، وأن تترك بصمتها في سجل الموسيقى الوطنية المصرية.
الكلمات المفتاحية لأغراض البحث:
فيكتوريا ملحمة
مارش بور فؤاد
موسيقى عسكرية مصرية
تأليف موسيقي نسائي
مقام عجم ري
بور فؤاد 1920
التدوين الموسيقي الإلكتروني
nota-sibe.com
تاريخ الموسيقى في مصر
البيانو في الموسيقى الوطنية
 |
 |
 |
 |
| MID | MXL | MSCZ |
