نعيمة سميح، الفنانة المغربية الشهيرة، استطاعت أن تحقق شيئاً فريداً في عالم الفن، حيث جعلت من أغنيتها الوطنية "البحارة" عملاً فنياً وجدانياً يترسخ في قلوب الناس. وليس بالسهولة التي يبدو عليها، فهذه الأغنية التي تصف الملك الراحل الحسن الثاني بـ"القائد الهمام"، وتتناول قضية الصحراء المغربية، تتميز بأنها لا تقتصر على الاحتفالات الوطنية فحسب، بل تتخطى هذا الإطار لتصبح جزءاً من تاريخ وثقافة المغرب.

إذاعات المغرب لا تزال تبث هذه الأغنية بانتظام، ومحبو نعيمة سميح لا يملون من الاستماع إليها، فهي تبدو كأنها أغنية حب خالدة تتجدد في كل مرة يتم فيها سماعها. وهذا يعكس القوة الفنية والجاذبية العاطفية التي تحملها هذه الأغنية، والتي جعلتها تتجاوز حدود الزمان والمكان لتصبح رمزاً للوحدة الوطنية والحب للوطن.

أحمد بلحبيب، الوالد الفخور، كان يحلم بأن تكون ابنته نعيمة سميح نجمة في عالم الفن، لكن بشرط واحد: أن تكون أغانيها وطنية. هذا الشرط لم يكن مجرد رغبة شخصية، بل كان متجذراً في وطنيته العميقة. فهو كان ينتمي إلى منطقة أولاد بن السبع، تلك القبيلة الصحراوية الشهيرة بشهداء الساقية الحمراء، الذين قاتلوا ببسالة ضد الغزو البرتغالي للسواحل الصحراوية.

سبعة علماء مجاهدين، من حفدة الولي الصالح المولى عامر الهامل المكنى بأبي السباع، استوطنوا الصحراء بين وادي نون والساقية الحمراء، وقدموا أرواحهم في معركة تاريخية للدفاع عن تراب الوطن. هذه القصة البطولية لم تكن مجرد حكاية في كتب التاريخ، بل كتبت بمداد الفخر والاعتزاز في قلوب الشعب المغربي.

ومن هنا، جاء اشتراط أحمد بلحبيب لابنته بأن تغني أغاني وطنية، كانت تلك الرغبة الشخصية تعكس انتماءً قوياً إلى الوطن وتاريخه العظيم. وكانت نعيمة سميح تحمل هذا الموروث الوطني والفخر العريق في قلبها، مما جعلها تتبنى هذا الشرط بكل اقتناع وتفانٍ.

بناء على رغبة والدها، أحد أعلام الوطنية والفخر، قام الشاعر محمد بنعبد السلام بوعده وكتب كلمات أغنية "البحارة" خصيصاً لابنة الوطن نعيمة سميح. هذه الأغنية كانت بمثابة بداية رائعة لمسيرة نعيمة الفنية، حيث قدمتها في بداياتها الفنية بكل انجاز وتميز.

تأتي أغنية "البحارة" كمنعطف هام في مسيرة نعيمة الفنية، إذ كانت أول أغنية وطنية مغربية قوية تؤدى بصوت نسائي مميز، وذلك في زمن كانت فيه الأغاني الوطنية تؤدى بشكل رئيسي من قبل الرجال. كما كانت هذه الأغنية الأولى التي قدمتها نعيمة للتلفزيون المغربي، مما جعلها تحقق شهرة واسعة وإعجاباً كبيراً.

ومن بين المعجبين بهذه الأغنية كان الملك الراحل الحسن الثاني، الذي اعتبرها من أهم الأغاني الوطنية المميزة والتي وصلت إلى مستوى أغاني كبار الفنانين. ولم تتوقف نجاحات نعيمة هنا، بل واصلت مسيرتها الفنية بتألق وإبداع، حيث قدمت فيما بعد دويتو "رحلة النصر" مع الفنان عبد الوهاب الدكالي، والتي حققت نجاحاً كبيراً وأضافت مزيداً من اللمعان لمسيرتها الفنية المشرقة.