طقطوقة "ليلة الجمعة وليلة الأحد": تجلّيات الهوية الوجدانية المصرية في الغناء الشرقي تأليف محمد أفندي هارون
شهدت مصر في النصف الأول من القرن العشرين نهضة فنية كبرى، أسهم فيها جيل من المبدعين في ترسيخ الهوية الموسيقية والغنائية الشرقية التي عبرت عن هموم المجتمع وأحلامه وتطلعاته. ومن بين أبرز القوالب الغنائية التي راجت آنذاك قالب الطقطوقة، الذي جمع بين البساطة الشعبية والعمق الشعري والموسيقي. ومن أشهر هذه الطقاطيق، تأتي "ليلة الجمعة وليلة الأحد"، وهما عمل غنائي من نظم و تأليف محمد أفندي هارون اختزل مشاعر الانتظار واللهفة والخذلان، في قالب وجداني حميمي، لامس روح المتلقي المصري.
أولاً: الطقطوقة كقالب غنائي مصري
الطقطوقة هي قالب غنائي مصري نشأ في بدايات القرن العشرين، يقوم على بناء شعري يتضمن مطلعًا (أو لازمة) يتكرر بين مقاطع شعرية تسمى الأدوار. وهي أكثر بساطة من القصيدة أو الدور الكلاسيكي، لكنها أتاحت للمطربين مجالًا واسعًا للتعبير وللارتجال، وللتواصل مع الجمهور في المسارح والمقاهي.
ثانياً: الوضع الفني والثقافي في مصر في مرحلة ازدهار الطقطوقة
في تلك المرحلة، كانت مصر تمر بتحولات سياسية وثقافية كبيرة. فقد تزامن انحسار الاستعمار البريطاني مع بروز وعي وطني جديد، انعكس في الفنون عامة، وفي الموسيقى والغناء خاصة. وكان الفن آنذاك مرآة للشارع المصري، ووسيلة للتنفيس والتعبير، فبرز نجوم مثل سيد درويش، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، زكريا أحمد، وغيرهم.
وكانت الإذاعة المصرية، التي تأسست في ثلاثينيات القرن العشرين، أحد أبرز المحفزات على ازدهار هذا اللون الغنائي، إذ قرّبت الطقطوقة من المستمعين في القرى والمدن، فغدت جزءًا من نسيجهم اليومي.
ثالثاً: المغزى الرمزي لليلتَي الجمعة والأحد في الوجدان المصري
ليلة الجمعة في الوعي الجمعي المصري تمثل رمزًا للراحة الروحية، فهي ليلة مباركة، يُنتظر فيها الفرج والدعاء والاستجابة. أما ليلة الأحد فهي –في المزاج الشعبي– امتداد ليوم السبت، بداية الأسبوع، ومصدر تعب وإرهاق. لذلك فإن التوظيف الرمزي لهاتين الليلتين في الطقطوقة يعكس تقلبات مشاعر المحب، بين الأمل والإحباط، بين الرجاء والخذلان.
رابعاً: تحليل أدبي وفني لطقطوقة "ليلة الجمعة وليلة الأحد" من تأليف محمد أفندي هارون
تبدأ الطقطوقة ببيت بسيط في مظهره، عميق في مضمونه:
"ليلة الجمعة و ليلة الأحد ندهت كثير و لا حدش رد"
هنا يُستحضر صوت الحنين والانتظار، فالنداء المتكرر دون مجيب يعكس إحساسًا عميقًا بالخذلان، ويؤسس لبنية شعورية تتصاعد عبر بقية الأبيات.
"أما إذا كنت أول ليلة صحت كانت تبقى جميلة
من قلت بنفسي ثاني ليلة ندهت كثير ولا حدش رد"
هذا المقطع يفيض بالتردد واللوم الذاتي، وفيه يتجسد صراع داخلي بين الرغبة في الوصال وخيبة الأمل. وقد أحسن الملحن توظيف مقام نهاوند أو صبا للتعبير عن هذا التوتر الوجداني.
"برده رحت ليلة الأثنين ما شفت حد قال لي انت فين
قلت لعقلي توبة مرتين فرغ الهزار وما بقى إلا الجد"
نلاحظ هنا تصعيدًا دراميًا في النص، يتخلله إحساس بالتحول من مرحلة المزاح إلى الجدية، بما يحيل على تطور العلاقة العاطفية من لهو إلى رغبة في الاستقرار. الإيقاع الموسيقي يتغير تبعًا لذلك، فينتقل من خفة النهاوند إلى وقار الحجاز أو الكرد، ما يمنح النص ثراءً تعبيريًا.
"أدي احنا رجعنا زي ما كنا ولا فيش عزول بقا يفرقنا
نتمتع و نكيد عزالنا لا حد يشوفنا و لا نشوف حد"
الخاتمة تقدم انفراجًا شعوريًا، وفيها يحتفل العاشقان بانتصار الحب على العوائق. من الناحية الموسيقية، يتم الانتقال إلى مقام بهجلي أو الراست، مع إيقاع مصري راقص يعكس النشوة والفرح.
خامساً: خصوصية الأداء الغنائي وتفاعل الفنانين مع الطقطوقة
أدّى كثير من المطربين الكبار هذه الطقطوقة بإحساس مختلف، كلٌّ وفق خلفيته الفنية. فتُرك للمطرب مجال واسع للزخرفة المقامية، وإضافة القفلات الطربية، ما ساعد على ترسيخ الطقطوقة في الوجدان الشعبي.
سادساً: أهمية التدوين الموسيقي في حفظ التراث: موقع nota-sibe.com نموذجًا
في ظل تراجع حفظ التقاليد الشفوية، أضحى التدوين الموسيقي أداة لا غنى عنها في حفظ الإرث الغنائي والموسيقي. ومن المواقع الرائدة في هذا المجال موقع nota-sibe.com، الذي يُقدّم نوتات دقيقة للطقاطيق والموشحات، مما يمكّن العازفين، وخصوصًا على آلة العود، من إعادة إحياء هذه الأعمال بكفاءة واحتراف. ويُسهم هذا الموقع في توثيق الفروق الدقيقة في الجمل اللحنية، والزخارف، والتعامل مع الإيقاع.
كلمات القصيدة:
ليلة الجمعة و ليلة الأحد ندهت كثير و لا حدش رد
دور
أما إذا كنت أول ليلة صحت كانت تبقى جميلة
من قلت بنفسي ثاني ليلة ندهت کثیر و لاحدش رد
دور
برده رحت ليلة الأثنين ماشفت حد قاللي انت فين
قلت لعقلي توبة مرتين فرغ الهزار و ما بقى الا الجد
دور
أدي احنا رجعنا زي ما كنا ولا فيش عزول بقا يفرقنا
نتمتع و نكيد عزالنا لا حد يشوفنا و لا نشوف حد
خاتمة:
تُعد طقطوقتا "ليلة الجمعة" و"ليلة الأحد" من أجمل ما أنتجته المدرسة الطربية المصرية، حيث مزجتا بين الشجن الشعبي والاحتراف الفني. وقدّمتا نموذجًا ناضجًا لتوظيف الموسيقى كأداة للتعبير عن الحالة الاجتماعية والوجدانية. وتبقى أهمية توثيق هذه الأعمال بالتدوين الموسيقي، مثلما يفعل موقع nota-sibe.com، ضرورة لضمان استمرارية التراث وحضوره في الأجيال القادمة.
كلمات مفتاحية:
الطقطوقة المصرية، ليلة الجمعة، ليلة الأحد، الغناء الشرقي، تحليل طرب، تدوين موسيقي، نوتة سيبيليوس، nota-sibe.com، آلة العود، الموسيقى المصرية، الطرب العربي، تحليل أدبي وفني، المقامات الشرقية، التراث الموسيقي المصري.
أنقر هنا و اختر الصيغة المناسبة لك
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
MID | MXL | MSCZ |